الزراعة سلاح الولايات المتحدة الماضي الذي تفتقده في علاقتها مع أفريقيا - المركز الديمقراطي العربي
الدراسات البحثيةالمتخصصة

الزراعة سلاح الولايات المتحدة الماضي الذي تفتقده في علاقتها مع أفريقيا

اعداد : السفير بلال المصري – المركز الديمقراطي العربي – القاهرة – مصر

 

نُشر مقال مهم بتاريخ 14 أغسطس2023في دورية Nationalinterest بقلم  Kip E. Tom وهوكان سابقاً سفير  الولايات المتحدة الأمريكية لدي وكالات الأمم المتحدة للأغذية والزراعة من 2019 حتي 2021 ويشغل حالياً عضو إداري بمؤسسة Tom Farms LLC وإستشاري دولي في موضوع إنتاج المزارع وسافر إلي 62 بلد ليقدم إستشارات في الأمن الغذائي وشؤون الزراعة والتجارة والإنتاج .

أهمية المقال ترجع إلي أن السفير Kip E. Tom يقترح تبني الولايات المتحدة كنقطة محورية في الصراع العالمي بين الصين والولايات المتحدة في أفريقيا لكنه وهو يدعو إلي ذلك يدرك أنها نقطة غير معترف بها في الغرب , وفي الواقع فإن الولايات المتحدة بالفعل رغم تفوقها النسبي في تقنيات الزراعة لم تتبن أبداً المحور الزراعي كمحور للتنافس مع الصين وغيرها في أفريقيا وإعتمدت في تعاملها مع أفريقيا علي أدوات أخري مثل وكالة الولايات المتحدة للتعاون الدوليUSAID وقانون الفرصة والنمو لأفريقياAGOA ومنح المساعدات الإنسانية وغير الإنسانية لهذه الدولة أو تلك وتطبيق سياسة العقوبات في حالة الدول المارقة أو حدوث إنقلابات عسكرية هنا أو هناك .

1- تبرز منطقة إفريقيا جنوب الصحراء كنقطة محورية في الصراع العالمي بين الصين والولايات المتحدة وهي نقطة غير معترف بها في الغرب ، وتتعامل الصين مع الزراعة على أنها صناعة رئيسية في تلك المسابقة . وتحتاج شعوب إفريقيا إلى مشاركة أمريكية أقوى وأكثر ثباتًا مع الولايات المتحدة , فالمزارعون وصانعو السياسات وقادة التكنولوجيا بما في ذلك وزير الزراعة توم فيلساك على وجه الخصوص أصواتهم مسموعة بشأن القضايا الزراعية في جميع أنحاء المنطقة  .

2 – تصدرت أفخاخ مبادرة الحزام والطريق الصينية عناوين الصحف العالمية مرارًا وتكرارًا. لكن الدول الأفريقية سارعت أيضًا إلى صفقات الأراضي التي صممتها بكين – وهي صفقات عندما يتم فحص التفاصيل الدقيقة ، فإنها تفعل المزيد لضمان تأثير الصين على الأمن الغذائي العالمي أكثر من بناء مستقبل قوي ومزدهر ومستقل للبلدان المضيفة ,  وقعت معظم الدول الأفريقية على مبادرة الحزام والطريق الصينية وكثيرون من هذه الدول الآن مدينون بالمليارات فجمهورية جيبوتي مثلاً التي تتمتع بموقع استراتيجي عند مصب البحر الأحمر تراكمت مديونية إجمالية للصين بلغت 45 % من إجمالي ناتجها المحلي  , فهل من المستغرب أن جيبوتي وافقت على استضافة أول قاعدة عسكرية صينية في الخارج ؟ وفي الوقت نفسه ربما تفكر الصين في إنشاء قاعدة بحرية في غينيا الاستوائية جنوب الصحراء مما يمنح البحرية الصينية إمكانية الوصول إلى المحيط الأطلسي فغينيا الاستوائية مدينة بنصف ناتجها المحلي الإجمالي للصين , كما ورد أن تنزانيا الواقعة على المحيط الهندي ونامبيا على جنوب المحيط الأطلسي مدرجتان أيضًا علي قائمة بكين ,  هذه الديون اللولبية وعواقبها غير المتوقعة شائعة في جميع أنحاء القارة وسيكون الأمر شيئًا واحدًا إذا تم بناء المرافق الجديدة باستخدام قوة عاملة أفريقية مدربة على المهارات المتقدمة اللازمة لإكمال مثل هذه المشاريع , لكن بدلاً من ذلك أرسلت بكين أكثر من مليون عامل صيني إلى المنطقة وهي حركات سكانية تشبه إلى حد كبير الغزوات المنظمة أكثر من الهجرات العفوية  .

3- بالإضافة إلى الاستيلاء على الأراضي ، تتضمن مخططات النموذجية الصين مقترحات ملكية “مشتركة” في مبادرات إنتاج ومعالجة السلع على نطاق واسع وغالبًا ما يستبدل هؤلاء العمال الأفارقة المحليين بالمهاجرين الصينيين الذين تؤدي تنافسهم على الطعام المحلي والإسكان إلى زيادة التكاليف ودفع عائلات السكان الأصليين بعيدًا عن أوطانهم علاوة وعلى ذلك فإن المخططات الاستعمارية الجديدة تعيد توجيه تدفقات السلع الخام بعيدًا عن الأسواق الأفريقية وتوجيهها إلي الصين وبعيدًا عن دعم الاستقلال الوطني تجعل بكين الأفارقة أكثر اعتمادًا على واردات المنتجات النهائية التي تسيطر عليها الصين وقد أثارت مثل هذه السياسات العدوانية في بعض الأماكن احتجاجات .

4- إن زيادة الإنتاج الزراعي في أفريقيا مسألة حياة أو موت للقارة بأكملها. حاليًا ، ففي القرن الأفريقي وحده يعاني أكثر من 10 ملايين طفل من سوء التغذية الناجم عن الكوارث الطبيعية والتي من صنع الإنسان بما في ذلك ظاهرة التغير المناخي المتغير ومع ذلك أظهر القادة في بكين القليل من الاهتمام برفاهية هؤلاء الأطفال أو الأفارقة بشكل عام ومع ذلك فإن مشاريع البنية التحتية تُعتبر ثانوية لما يبدو أنه الهدف الرئيسي لبكين لاستغلال السهول الخصيبة في إفريقيا من أجل إطعام سكان الصين الهائلين فأفريقيا موطن 60 % من الأراضي غير المزروعة في العالم  ومع ذلك على الرغم من وفرة أراضيها إلا أنه يجب على أفريقيا جنوب الصحراء أن تستورد الغذاء لإطعام سكانها.

5- عادة ما يستبعد الغربيون الدور الاستراتيجي للزراعة لكن الصين لا تستطيع أن تفعل ذلك فيوجد في بكين أكثر من 1.4 مليار فم يتغذون عليها وإذا تمكنت الصين من السيطرة على موارد الأراضي الأفريقية والقضاء على اعتمادها على الواردات الغربية لإطعام سكانها فستتمتع بقدر أكبر من الحرية في تحركاتها العسكرية , فالغذاء قوة والأراضي الصالحة للزراعة في إفريقيا هي مورد أكثر قيمة للصين من أي معدن أرضي نادر , ولأغراض المنافسة تحتاج الولايات المتحدة إلى تقديم رؤية أفضل لمستقبل إفريقيا من الصين , رؤية تُستخدم فيها الإمكانات الزراعية الهائلة للقارة لتطوير الاكتفاء الذاتي والاستقرار البيئي والازدهار الاقتصادي , فتلك قاعدة ينبغي لقادة السياسة الزراعية أن يحثوا الأفارقة على التخلي عن تبنيهم لسياسات تقييد الإنتاج مثل مبادرة أوروبا من المزرعة إلى الشوكة وبدلاً من ذلك يجب على واشنطن أن تجلب الابتكار الأمريكي للمزارعين الأفارقة ، ومساعدتهم على تحسين حجم وجودة إنتاجهم. لقد حان الوقت لتكثيف جهودنا الدبلوماسية في القارة مع التركيز بشكل خاص على دعم الولايات المتحدة ابتكارات القطاع الخاص في الزراعة وسيعمل تعزيز تكنولوجيا الزراعة المتطورة على نقاط قوتنا , فالتكنولوجيا هي السبب في أن مزرعة ولاية أيوا الأمريكية على سبيل المثال تنمو 201مكيال من الذرة لكل فدان مقارنة بـ 92 مكيال للفدان في المتوسط ​​في مزرعة صينية , فتقنيتنا تسمح للمحاصيل عالية الغلة بالنمو في ظروف قاسية  , لقد قام العديد من منافسي الولايات المتحدة وخصومها بتصدير أساطير إلى إفريقيا حول تقنيتنا الزراعية , ويشمل هؤلاءالمروجون الصين وروسيا وعناصر معادية لأمريكا بالاتحاد الأوروبي والعديد من منظري الطعام هنابالداخل وقد شجعت خيالاتهم القادة والمزارعين الأفارقة على التمسك بتقنيات النمو منخفضة الغلة والتي تتطلب عمالة كثيفة ومدمرة للبيئة , ولكن الزمن يتغير فقبل عقد من الزمان صرح ليفي مواناواسا رئيس زامبيا آنذاك أن الكائنات المُعدلة وراثيًا كانت سامة وفي العامين الماضيين فقط أدرك قادة البلاد حجم أخطائهم وبدأوا في التراجع عن الحظر التكنولوجي الناتج , فلقد حان الوقت الآن للوزير فيلساك وللولايات المتحدة الأخرى وقادة الحكومة والقطاع الخاص لمخاطبة الشعوب الأفريقية مباشرة حاملين رسالة مفادها : “أن تقنياتنا يمكن أن تحسن حجم ونوعية الطعام الذي ينتجونها وتحسين حياة أسرهم ومجتمعاتهم وبلدانهم ” .

قبل تقييم وتقدير رؤية السفير Kip E. Tom وهي في حد ذاتها رؤية قيمة ومقُدرة إلا أنه يجب أولا الوقوف علي خلفية العلاقات الأفريقية / الأمريكية والقيادات العسكرية الأمريكية في العالم وأفريقيا , فقد كانت بداية العلاقات بين الولايات المتحدة وأفريقيا ديموجرافية بحتة فعندما قام السيد / Paul Cuffee وهو ناشط من الخلاسيين الأمريكان وكان معنياً بقضية توطين السود الأمريكان في أفريقيا فقام بتمويل وقيادة رحلات بحرية إلي مستعمرة سيراليون البريطانية في الفترة من 1815 حتي 1816 وكانت هذه الرحلات ملهمة لقادة الجمعية الأمريكية للإستعمار American Colonization Society التي أسسها عام 1816 في New Jersey السيد / Robert Finley لوضع نهاية للخلاف الذي نشب داخل المجتمع الأمريكي بشأن السود والعبودية , فبجهود هذه الجمعية مع جهود أخري كان تأسيس مستعمرة ليبريا في الفترة من 1821 حتي 1822 من أجل توطين السود الأمريكان بها , وقد بلغ عدد المهاجرين لأفريقيا من السود الأمريكان في القرن التاسع عشر أقل من 100,000 لكنهم كانوا يشكلون نوعاً من الطبقة الأرستوقراطية , ومن المعروف أن الولايات المتحدة إستجلبت السود الأفارقة والذين كانوا يرسفون في أغلال العبودية لبناء الولايات الولايات المتحدة بتعبير غاية في البساطة لبناء الولايات المتحدة , ولما تم لها ذلك ثار النزاع الأهلي في عموم الولايات المتحدة بشأن قضية تحرير العبيد فمن بين أهم التصريحات التي توضح بعد الشقة بين مؤيدي العبودية ومنكريها أن الرئيس الأمريكي الخامس عشر / James Buchanan أشار في خطابه السنوي في ديسمبر 1860 إلي أنه ” بينما لا تستطيع أية ولاية من الوجهة القانونية أن تنشق , فإن الحكومة الفيدرالية بدورها لا تستطيع أن تجبرها علي الطاعة ” ولهذا إقترح الرئيس / Buchanan دعوة مؤتمر دستوري يضمن الرق في الولايات والمقاطعات ويضمن إعادة العبيد الهاربين , ولكن الجنوب لم يقبل بذلك ففي العشرين من ديسمبر 1860 خرجت كارولينا الجنوبية من الإتحاد  .

ظلت الولايات المتحدة في عزلة مُتعمدة عن العالم وإضطراباته لفترات طويلة إلي حد ما , ومع ذلك فهي لم تكن عزلة مطلقة فقد خرجت الولايات المتحدة من نطاقها أحياناً لتتفاعل مع حدث معين خارج الولايات المتحدة بسبب تأثيره المباشر أو غير المباشر علي أمنها القومي , وقد ساعد الولايات المتحدة علي هذه العزلة الإختيارية التي فرضتها علي نفسها موقعها الجغرافي المحمي بالمحيطين الأطلنطي والهادئ , بالإضافة إلي ما توفره لها مساحتها الشاسعة من تنوع في الموارد الزراعية والصناعية  وبالتالي قدرتها النسبية العالية علي تحقيق الإكتفاء الذاتي , ولإنها عزلة إختيارية فإن الخروج الأمريكي منها لم تمليه دواعي الإضطرار بقدر ما أملته دوافع القوة والسيطرة , وبناء علي ذلك كان ومازال خروج الولايات المتحدة من نطاقها ذاعلاقة أولية بالوسيلة العسكرية ولم يكن خروجاً إنطلاقاً من نوازع حضارية كما أدعي الرئيس الخامس والعشرين للولايات المتحدة / William McKinley حين قال ” إن الله ألهمني أن واجب أمريكا تعليم أبناء الفلبين والنهوض بهم وتحضيرهم ونشر المسيحية بينهم وأن يفعل أقصي ما يستطيعه لهم ” , وبناء علي ذلك قامت الولايات المتحدة بضم الفلبين إليها بعد حرب استمرت جرت في الفترة من 1899 حتي 1913 , وتزامن ذلك مع دخولها الحرب ضد أسبانيا عام 1898 لتحرير كوبا من الطغيان الأسباني , لكنها ما أن فازت بهذه الحرب وضعت كوبا تحت الحماية الجبرية , ومما يؤكد هذا المعني معني غطرسة القوة , كلمات Theodore Roosevelt الرئيس السادس والعشرون للولايات المتحدة و Henry Cabot Lodge المؤرخ والسياسي الجمهوري الأمريكي  (1850 – 1924) و Alfred Thayer Mahan الإستراتيجي الأمريكي ذائع الصيت ( 1840 – 1914 من كبار معتنقي الفكر الإمبريالي الأمريكي عام 1898 الذين أرادوا أن تكون لأمريكا إمبراطورية لمجرد أن بلداً قوياً كبيراً مثل أمريكا لابد أن تكون له إمبراطورية , ولقد عبر/Albert Jeremiah Beveridge  1862- 1927المؤرخ والنائب عن ولاية Indiana عن روح عصره بإعلانه أن الأمريكيين جنس فاتح وقال ما نصه ” لابد وأن نطيع دماؤنا وأن نحتل أسواقاً جديدة وأراض جديدة إذا لزم الأمر , لأن في الخطة القوية اللانهائية لابد أن تختفي الحضارات الوضيعة والأجناس المُتعفنة أمام الحضارات السامية للإنسان الأقوي والأعظم نبلاً “, وبصرف النظر عن لاإنسانية هذا المنطق بل وإرتباطه بلا شك بحالة مرضية هي في الغالب تضخم الذات , إلا أن هذا الفكر مازال له رافد أو أكثر وإن بتعديلات وتشعبات جديدة قاعدتها وربما قاسمها المُشترك هذا الفكر الهجومي , ولهذا فإنه من العبث الإكتفاء بتعريف الإدارات التي تولت حكم أكبر قوة عظمي في العالم كإدارة الرؤساء ريجان وكلينتون وبوش الأب والأبن والإدارة الحالية بأنها جمهورية أو ديموقراطية فقط , ففي هذا التعريف تبسيط مخل بالواقع السياسي العالمي بنتائجه المُعاشة فلإن كل الإدارات الأمريكية المُتعاقبة تنزع إلي إستخدام القوة الصلبة أي الوسائل العسكرية أو القوي الناعمة ووسائلها المتنوعة بدءاً من الإتصالات الثنائية والجماعية مع الحلفاء والتفاوض وما يبدو وكأنه وساطة جبرية من خلال تعيين المبعوثين الخاصين كالمبعوث الأمريكي للسودان وغيرها أو  إستخدام الإعلام الأمريكي والموالي له في بلدان عديدة  أو من خلال فرض العقوبات الإقتصادية أو المساعدات الإقتصادية حسب الحالة أو إستخدام الملجلس التشريعي الأمريكي من خلال إصداره لقوانين تتعدي حدود الولاية القانونية للولايات المتحدة أي حدودها السياسية بإصدار قوانين تبدو وكأنها مُلزمة لكنها ضاغطة مثل قانون السلام في السودان وقانون تحرير العراق , فلابد والحالة هذه أن يتسع تعريف الإدارات الأمريكية المُتعاقبة بحيث يكفي لقبول وصفها بالإدارات شبه العسكرية , ذلك أن الآلة العسكرية الأمريكية تعد قاسماً مُشتركاً في المكونات الرئيسية للتحرك الأمريكي من أجل تحقيق المصالح الأمريكية وهي مكونات سياسية / دبلوماسية وتشريعية وإقتصادية ( المعونات الخارجية و/ أو الحصار والمقاطعة الإقتصادية)  وعسكرية ولذلك فالولايات المتحدة إن إستخدمت الدبلوماسية كوسيلة لتحقيق مصالحها العليا فإنما تستخدمها مُسندة بالوسيلة العسكرية وقد تستخدم الوسيلة العسكرية مخدومة بالدبلوماسية أو تستخدم مزيج مُقدر من الوسائل الدبلوماسية والتشريعية والإقتصادية وهي ذات طبيعة ناعمة قد تحقق الهدف الإستراتيجي الأمريكي وإن لم تُحققه فإن هذه الوسائل الناعمة ستكون مقدمة لإستخدام القوة العسكرية .

إن سياسة العزلة الأمريكية لم تكن عزلة سياسية بقدر ما كانت عزلة فرضها إطار قانوني أي بقانون أمريكي كان عنوانه  ” قانون الحياد ” وكان ذلك عام 1793 , وقد طالب هذا القانون مواطني الولايات المتحدة بإتباع سلوك ودي ومحايد تجاه الطرفين المُتحاربين وهما بريطانيا وفرنسا آنئذ , وتكرر ذلك المعني في قانون الحياد الذي وقعه عام 1935 الرئيس الأمريكي / Franklin D. Rosevelt تحت عنوان ” قانون الحياد أو  Neutrality Act وأشارت في موضع منه بأنه للتعبير عن الرغبة في تجنب إتخاذ أي عمل قد يورط ( الولايات المتحدة ) في حرب ” وتوضيحاً لهذا القانون أعلن الرئيس /. Rosevelt في خطاب عام أنه بموجب هذا القانون فسيطلب الأمر من أي سفينة أمريكية إستصدار إذن لنقل السلاح وأنه  وبموجبه أيضاً فسيُمنع الأمريكيين من الإبحار علي سفن من بلدان مُعادية , وسيُفرض حصار علي مبيعات السلاح للبلدان المُتحاربة , وبصفة عامة فقد كان تكرار إصدار قانون ” الحياد” الأمريكي أعوام 1935 و1936 و1937 و1939 يستهدف الحد من تورط الولايات المتحدة في الحروب مُستقبلاً , لكن الولايات المتحدة تعلمت من خوض تجربة الحرب العالمية الثانية علي نحو خاص سواء من واقع مقدماتها أو نتائجها أنه لابد لها من ممارسة دور إيجابي يتناسب مع المخاطر والمصالح الأمريكية العليا ولذلك نجد أن التحولات في السياسة الأمريكية تجاه العالم ” غير الأمريكي ”  والتي أسهمت في إنتاجها نتائج الحرب العالمية الثانية 1939 – 1945 نحت تماماً سياسة الحياد جانباً لتتفاعل مع العالم علي أساس الحفاظ علي وتطوير مصالحها العليا , وكمثال علي ذلك ما ورد في كتاب رسمي عن سياسة أمريكا الخارجية لعام 1952  أُشير فيه إلي ما نصه ” وقد أبانت لنا التجارب التي مرت بنا في الخمسة والثلاثين عاماً الماضية أننا لا نستطيع أن نكفل مصالحنا دون إكتراث بما يحدث في بقية أرجاء العالم وسائر نواحيه ” , كما أن الكونجرس الأمريكي بغرفتيه لم يُكرر إصدار قانون الحياد بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها بل عمد الكونجرس والإدارة ومراكز العصف الذهني إلي النظر في إنشاء أو توسيع نطاق أو ولاية القيادات العسكرية الأمريكية المُشار إليها بما يعني مباشرة أن إنتشار القيادات العسكرية الأمريكية الست وآخرهم القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا AFRICOM كانت الرد الحاسم علي سياسة الحياد الأمريكي الإنتقائي الطابع , كما أن إنشاء هذه القيادات يُعتبر من معظم  وجهات النظر المختلفة تعبيراً عن شعور أمريكي بالمسئولية عن العالم أو علي الأقل تعبير عن القدرة علي تمديد أفق المصالح الأمريكية الإستراتيجية علي نطاق العالم مما يبرر حمايتها علي هذا المستوي أيضاً .

إن سياسة القوة ليست سياسة إستثنائية تلجأ إليها الإدارات الأمريكية , لكنها سياسة أصيلة لها رجالها الدائمون في الإدارات الأمريكية المُتعاقبة منثورون في مواقع القرار الأمريكي , ولهذا دائماً ما نجد في خلفية الرئاسة الأمريكية وفريقها المعروف للعامة وللإعلام هناك وفي الظل والأركان مجموعة من الرجال الأكفاء يتناوبون أمر وضع وتقييم السياسات التي تحقق عبارة ” لابد وأن نطيع دماؤنا وأن نحتل أسواقاً جديدة وأراض جديدة إذا لزم الأمر ” , وهذه المجموعة متجددة دائماً وهم ممن يُطلق عليهم في علم السياسة المُعاصرة وإعلامياً ” المحافظون الجدد ” وأفكارهم مزيج مُقدر من القيم الإمبريالية والمسيحية الصهيونية , وأعتقد أن أحداً من الجادين في البحث عن الحقائق لا يماري في أن الدين أصبح في أيامنا هذه ودائماً ضرورة لهؤلاء الباحثون عن الحقائق لأنه بذاته يمكن أن يزيل التلوين المُصطنع للحقائق التي عمل حفدة سحرة فرعون الذين إخترقوا وسائل الإعلام في كل مكان , ولهذا فليس من الغريب – وهو ما يؤكد الأهمية العائدة للدين ودوره الذي لا يجادل فيه إلا المغرضين – أن الرئيس الفرنسي السابق / Nicolas  Sarkozy  ينتقد في كلمته التي ألقاها في 20 ديسمبر 2007 بكنيسة Basilique du Latran  العلمانية الفرنسية laïcité à la française ويشيد بالمؤمنين ويدعو لإستبدال العلمانية الفرنسية بالعلمانية الإيجابية laïcité Positive وهو ما أثار حنق قطاع عريض في أوساط النخبة الفرنسية بإعتبار أن فرنسا تعد نموذجاً يُحتذي في العلمانية وأحد أكثر البلدان الأوروبية علمانية وفقاً لإستطلاعات الرأي التي أظهرت أن غير المؤمنين بها تتراوح نسبتهم ما بين 30% إلي 40% من الشعب الفرنسي , ومع أن دعوة الرئيس الفرنسي للعلمانية الإيجابية لم تمس قانون 1905 القاضي بفصل الكنيسة عن الدولة , إلا أن دعوته تلك في بلد عتيد في علمانيته كفرنسا لم يرض آخرين ومنهم الحزب الإشتراكي ورئيسه François   Hollande , ولكن المشكلة الماثلة الآن ولأمد طويل قادم أن بعض من يدعون إلي إستدعاء الدين لمعوانتهم في السياسة إما أنهم يفعلون ذلك بإستدعاء دينهم هم بصفة حصرية ووصف الآخرين ممن فعلوا نفس فعلتهم بالإرهابيين أو أنهم يستدعونه بصفة مؤقتة ولظرف ما ثم ينكرونه ليصفوا من يتمسك به دائماً بالمتطرف المُتشدد أو حتي الإرهابي … لذلك فليس من المبالغة القول  بإن إزدواجية المعايير أصبحت قاعدة مُتفق عليها في أخلاقيات سياسات بعض الدول , فما قاله Albert Jeremiah Beveridge لا يختلف عن ما قاله مُتهمون بالإرهاب الدولي مثل الشيخ / أسامة بن لادن وأضرابه الذين إنتصرت بهم الولايات المتحدة علي السوفييت في أفغانستان , ثم نقصت علي عقبيها وأتهمتهم – بعد أن وُصفوا بالجهاديين – بالإرهاب عندما واجهوها في نفس البلد ولنفس السبب ألا وهو التخلص من الإحتلال الأمريكي / الغربي لأفغانستان .

إن رؤية السفير  Kip E. Tom  رؤية صائبة وواقعية – إن عزلناها عن الواقع السياسي الأمريكي الحالي – ولكن الإدارات الأمريكية المُتعاقبة خاصة بعد ظفر الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية  عام 1945 , فقد أثبتت  تداعيات ونتائج الحرب العالمية الثانية مرة أخري أن سياسة العزلة الإختيارية التي ضربتها الولايات المتحدة علي نفسها غير كافية لتحقيق الإستراتيجية الأمريكية التي كان أحد أهم أهدافها مكافحة الشيوعية , لذا كان لزاماً علي الولايات المتحدة وحلفاءها ففي خريف عام 1947 تصاعد التوتر في أوروبا وزادت المخاوف من وقوع عدوان شيوعي جديد بصفة مباشرة أو غير مباشرة , وبالفعل تحقق جزء من هذه المخاوف عندما إستولي الشيوعيون في فبراير 1948 علي تشيكوسلوفاكيا , وكان ذلك التطور الخطير من وجهة نظر واضعي الإستراتيجية الأمريكية دافعاً كافياً لصياغة الدور العسكري الأمريكي خارج حدود الولايات المتحدة الأمريكية من خلال توقيع معاهدة بروكسل في مارس 1948 والتي تُعتبر حلفاً دفاعياً مُشتركاً لمدة 50 عاماً والتي إشتركت في إبرامها مع الولايات المتحدة كل من المملكة المتحدة وفرنسا وبلجيكا وهولندا ولوكسمبرج , وفي اليوم الذي وُقعت فيه هذه المعاهدة وقف الرئيس ترومان أمام الكونجرس يشرح برنامجاً جديداً لإفادة التسليح روعيت فيه مُقتضيات الدفاع عن أوروبا ومستلزماته , وفي صيف ذلك العام أقر مجلس الشيوخ الأامريكي السياسة التي عُرفت يومئذ بمشروع قرار ” فندنبرج ” والذي يُرخص للحكومة الأمريكية زيادة تدابير الدفاع الجماعي في نطاق ميثاق الأمم المتحدة وبلغ عدد مؤيديه في الكونجرس 64 مقابل 4 اصوات معارضة وجاء إعلاناً صريحاً للسياسة الأأمريكية التي ألقت الضوء علي تنظيم الدفاع الجماعي عن منطقة شمال الأطلنطي , وعلي إثر ذلك بدأت المحادثات الأمريكية مع الدول المُوقعة علي معاهدة بروكسل وأتفقوا جميعاً علي قيام حلف شمال الأطلنطي الذي وقعت معاهدة إنشاءه في أبريل 1949 وأُبرم في شهر يوليو 1949 , وقد أُنشئ مجلس يتألف من وزراء الدول الإثني عشرة التي وقعت الحلف للقيام علي تنفيذه , وقرر هذا المجلس بعد ذلك إنشاء قوة دفاعية مُشتركة وعُين الجنرال /D. Eisenhower   Dwight قائداً أعلي في مستهل عام 1951 , وفي إجتماع لمجلس حلف شمال الأطلنطي في أوتاوا بكندا في سبتمبر 1951 شُكلت لجنة برئاسة /  Harriman Averell لإعادة النظر في الإحتياجات الحربية المطلوبة لغرب أوروبا ومدي طاقة الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة ومقدرتها الإقتصادية علي توفيتها . وكان تكوين وقيام حلف شمال الأطلنطي أول خطوة عملية في عسكرة السياسة الأمريكية , ففي إعتقادي أن السياسة والدبلوماسية الأمريكية إصطبغتا بصبغة عسكرية لا تُنكر , خاصة وأن ما خشيت منه الولايات المتحدة حدث عندما واجهت التحدي الشيوعي عندما قامت القوات الشيوعية الكورية الشمالية مدعومة بقوة من الصين وإلي حد ما من الإتحاد السوفييتي بغزو كوريا , مما ألزم العسكرية الأمريكية بدفع قواتها إلي الميدان الكوري وأنضمت إليها قوات من الدول الأعضاء بالأمم المتحدة ونجحت العسكرية الأمريكية في إيقاف القوات الشيوعية التي تدعمها الصين عند خط 38 الذي بدأو منه عدوانهم في الفترة من 1950 حتي 1953 علي الشطر الجنوبي من شبه الجزيرة الكورية والتوصل من خلال الأمم المتحدة لإتفاق بوقف إطلاق النار في 27 يوليو 1953 , وبعد ذلك دخلت العسكرية في غمار مواجهتها للشيوعية العالمية حرب فيتنام علي مرحلتين الأولي في خمسينات من القرن الماضيمن خلال إرسال مستشارين عسكريين أمريكيين لفيتنام الجنوبية ثم توقيع معاهدة صداقة وتعاون إقتصادي في أبريل 1961 معها , و كانت المرحلة الثانية والأكثر تأثيراً علي مركز الولايات المتحدة الأخلاقي والسياسي عالمياً عندما بدأت عام 1965 في التورط مباشرة في المواجهة بين الشطر الجنوبي والشمالي في فيتنام بإرسال قوات عسكرية أمريكية وشن غارات جوية وإستخدام أسلحة مُحرمة دولية ومنيت في النهاية بهزيمة مؤلمة وأضطرت الولايات المتحدة أما إصرار وإرادة الفيتناميين علي الدفاع عن وطنهم إلي الإتفاق معهم علي وقف إطلاق النار في في 23 يناير 1973 , لكن الذي لا شك فيه أن الحرب الكورية والفيتنامية والزحف العقائدي والإقتصادي الصيني والسوفييتي جعلتا من الضروري بالنسبة للولايات المتحدة الحفاظ علي الخيارات العسكرية المتنوعة مفتوحة لها ومتاحة لحلفاءها في آسيا بإعتبارها خطر قريب منها , وظلت هذه الخيارات لها مؤيدين في مجلسي الشيوخ والنواب والإدارة والإعلام وأجهزة الإستخبارات الأمريكية فلم بمقدور الولايات المتحدة أن تركن إلي التحركات الدبلوماسية لردع القوتين الصينية والسوفييتية في آسيا لمجر أنها نجحت بالتعاون مع الإتحاد السوفييتي في تحقيق وقف إطلاق النار علي الجبهة الهندية / الباكستانية في سبتمبر 1965 , لكن علي الجانب الآخر فقد ادت المواجهة الأمريكية / الصينية / السوفييتية في فيتنام إلي عدم موافقة مجلس الشيوخ الأمريكي علي التصديق علي الإتفاق القنصلي بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفييتي الذي وُقع في يونيو 1964ووافقت عليه لجنة العلاقات الخارجية في 3 أغسطس 1966 ويهدف إلي تسهيل سفر وأدارة الأعمال بإنتظام بين الدولتين وأمور أخري تفيد العلاقات الثنائية وتخفض من أجواء التوتر بينهما .

لست ممن يرون الولايات المتحدة وكأنها صانعة للسلام العالمي أو جانحة إليه إلا في حالات بعينها منها : (1) أن يكون هذا السلام مستوفياً لشروط تأمين المصالح الأمريكية علي مدي زمني مقبول أو(2) أنه في صالح حلفاءها الأقربين وفي مقدمتهم إسرائيل التي ترتبط هي والولايات المتحدة عسكرياً وأمنياً بإتفاقية للتعاون الإستراتيجي مُوقعة في نوفمبر 1998 والتي تعتبر بمضمونها بمثابة تحالف عسكري إستراتيجي لا تحظي به الدول المحيطة بإسرائيل والتي تدعي ربما من باب التمني أو من باب المبالغة الغير موضوعية أن علاقتها إستراتيجية أو خاصة بالولايات المتحدة وأنه لذلك يجري بين الحين والآخر ” حوار إستراتيجي ” (مثل مصر وقطر) معها وهو في الحقيقة ليس  حواربين ندين أو حليفين بمقتضي إتفاق تعاهدي كالذي بين إسرائيل والولايات المتحدة كي يمكن إعتباره إستراتيجياً بحق , هذا بالإضافة إلي ما سبق وطُرحته إسرائيل علي الولايات المتحدة من خلال صياغة لمشروع للتحالف التعاهدي بينها وبين الولايات المتحدة في مايو 2001, وهو مشروع إتفاق يعكس المستوي الحقيقي للعلاقات الإسرائيلية / الأمريكية وهو مستوي لا ترقي إليه بالقطع علاقة الولايات المتحدة بأي من الأنظمة العربية قاطبة  .

القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا وتطورتها الميدانية وعلاقاتها بالنظم العسكرية الأفريقية سواء علي مستوي الدول أو القيادات العسكرية للإتحاد الأفريقي والقوي الدولية المتنافسة مع الولايات المتحدة داخل الفضاء الأفريقي ليست القيادة العسكرية الوحيدة فإنه من الضروري بيان القيادات العسكرية الأمريكية الخمس السابقة علي إنشاء القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا والثلاث قيادات الوظيفية الأخري وهو ما لا يدع مجال للشك في أن المحور العسكري هو المهيمن علي العقيدة السياسية/ الإستراتيجية الأمريكية وليس هناك الإ حيز ضئيل للمحاور الأخري كالمحور الزراعي الذي يدعو إلي تبنيه السفير Kip E. Tom , والقيادات العسكرية الأمركية هي :

1- القيادة الأمريكية العسكرية الجنوبية USSOUTHCOM :

يقع مقرها في مدينة Miami الأمريكية ومجالها أمريكا الجنوبية , ويرجع منشأها إلي القوة التي أرسلتها الولايات المتحدة إلي بنما عام 1903  لتأمين والسيطرة علي خط سكك حديد Panama الذي يربط يربط بين المحيطين الأطلنطي والهادئ , ثم أخذت هذه القيادة قواماً مُحدداً بإعتبارها قيادة عسكرية لنطاق أوسع عندما قررت إدارة الرئيس الأمريكي / Roosevelt تأسيس قيادة الدفاع عن الكاريبي US Caribbean Defence في الفترة من 1941 حتي 1947 , وفي 6 يونيو 1963 قررت إدارة الرئيس / Kennedy إطلاق الأسم الحالي عليها وتضمنت أولي مهامها الدفاع عن قناة Panama خلال الحرب الباردة , وفي عقد الثمانينات من القرن الماضي أجبرت الدواعي الإستراتيجية الولايات المتحدة علي تفعيل مهام القيادة العسكرية الجنوبية بسبب الإضطرابات الداخلية في نيكارجوا والسلفادور وغيرهما من بقاع أمريكا الجنوبية خاصة وان أمريكا الجنوبية كانت مصدر خطر مفزع للولايات المتحدة وهو خطر تهريب المخدرات من مناطق زراعتها وإنتاجها بأمريكا الجنوبية إليها وتوسعت مهامها لتشمل كل أمريكا الجنوبية جنوب المكسيك والمياه المحيطة بأمريكا الوسطي والجنوبية والبحر الكاريبي وجزء من المحيط الأطلنطي ويمثل هذا النطاق سدس مساحة العالم ويشمل 31 بلد و15 منطقة ذات نوعية معينة من السيادة , وقد أدي تنوع المخاطر في هذا النطاق الشاسع إلي إتخاذ قرار بنقل مقر هذه القيادة في سبتمبر 1997 إلي Miami وتمت عملية مراجعة لأولوياتها وأهدافها وإمكانياتها  .

2– القيادة الأمريكية العسكرية الباسيفيكية USPACOM :

يقع مقرها في Camp H.M. Smith . HI , وكان إنشاؤها في الأول من يناير 1947 إبان إدارة الرئيس / Harry Truman وكان أول مقر لها في الولاياتت المتحدة بـ Salt lake وفرع قيادتها الميداني كان في Honolulu وأُنيطت بها مسئولية مواجهة التهديد الباسيفيكي إبان فترة الحرب العالمية الثانية , وقد توسعت مسئولياتها عام 1972 لتشمل المحيط الهندي وجنوب آسيا والقارة القطبية بالإضافة لمسئوليتها الأولي عن المحيط الباسيفيكي بحيث بلغت المساحة التي تغطيها 272 ألف كم مربع بها 36 بلد و20 منطقة و10 مناطق وممتلكات جزرية تابعة للولايات المتحدة , وفي عام 1976 ولعدم وجود قيادة عسكرية للولايات المتحدة في أفريقيا كانت هذه القيادة مسئولة أيضاً عن جزء من القارة الأفريقية , وخلال ولاية الرئيس / Regan أُضيفت إليها جمهورية الصين الشعبية وجمهورية كوريا الشمالية ومنغوليا ومدغشقر , وتبلغ الموارد البشرية المُتاحة لهذه القيادة 300,000 عسكري موزعون علي الأسلحة المختلفة لها وأماكن تموضعها الثلاثة , وتعتبر هذه القيادة مسئولة عن تنفيذ الإتفاقيات الدفاعية التالية التي وقعتها حكومة الولايات المتحدة مع الدول الواقعة في نطاق هذه القيادة وهذه الإتفاقيات هي : معاهدة الدفاع المُتبادل مع الفلبين المُوقعة عام 1951 , وإتفاقية ANZUS المُوقعة بين الولايات المتحدة وأستراليا ونيوزيلاند عام 1952 , ومعاهدة الدفاع المُتبادل مع  جمهورية كوريا الجنوبية المُوقعة في عام 1954ومعاهدة الدفاع المُتبادل المُوقعة مع اليابان في عام 1960  .

3- القيادة الأمريكية العسكرية الشمالية USNORTHCOM  :

يقع مقرها في Peterson Air Force Base .Co ومجالها أمريكا الشمالية  بالولايات المتحدة , وربما كانت هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 كانت الملهمة لإنبثاق فكرة إنشاء القيادة العسكرية الشمالية للولايات المتحدة , لذلك أُعلنت وزارة الدفاع عن إنشاءها في 17 أبريل 2002 ثم شملتها خطة القيادة الموحدة للولايات المتحدة التي أقرها الرئيس / George W.Bush في 25 أبريل 2002 , وفي الأول من أكتوبر 2002 تم تفعيل عمل هذه القيادة وهي الأولي من نوعها التي كانت مهمتها العملياتية الأساسية الدفاع عن أراضي ومصالح الولايات المتحدة داخل الولايات المتحدة منذ عهد George Washington  , ويتضمن نطاق ولايتها كل من الولايات المتحدة وألاسكا وكندا والمكسيك وبورتوريكو , وقد أوضح الجنرال / Victor Renuart لدي تقلده منصبه كقائد لهذه القيادة في مارس 2007 ” أن القيادة الشمالية ستظل يقظة لتوقع وردع وإكتشاف وهزيمة التهديدات للداخل الأمريكي , وستدعم بصفة أولية الوكالات والسلطات المحلية وتلك التابعة للدولة كما هو متبع , كما أن هذه القيادة تتوقع المتطلبات والأفعال لتطوير المواقف , وأن جهود العاملين العسكريين والمدنيين بوزارة الدفاع متحدة في إتجاه مواجهة الكوارث , ثم أن الولايات المتحدة وكندا شركاء في إدارة الأحداث التي تقع بالقارة الأمريكية , كما ان علاقتنا الدفاعية مع المكسيك طيبة كما هو العهد بها دائماً ” , وعندما تولي الأدميرال / Winnefeld James رئاسة هذه القيادة في مايو 2010 كان أكثر تحديداً في بيان مهامها حيث أشار أنها تشمل ” محاربة الأرهاب والحماية بالقوة ودعم حكومة المكسيك في صراعها ضد منظمات الجريمة العابرة والدعم بالدفاع عن السلطات المدنية , وإدارة ما ينتج عن الالأساليب الكيميائية والبيولوجية والأشعاعية والتنووية والمتفجرات عالية المستوي , كما انه من ضمن المهام الإنذار والسيطرة البحرية والجوية والدفاع ضد الصواريخ , بالإضافة إلي واجباتها في القارة القطبية الشمالية ” , من جهة أخري ففي 27 أبريل 2003 أعلنت هذه القيادة عن أنها مُكلفة من الوجهة الإستراتيجية بإستخدام نظام دفاع الصواريخ الباليستية لحماية الولايات المتحدة , وفي الأأول من أكتوبر 2004 نشرت ما أطلقت عليه ” إستراتيجية مسرح التعاون الأمني ” .

4- القيادة الأمريكية العسكرية لأوروبا USEUCOM :

يقع مقرها في Patch Barracks .Stuttgart . Germany بألمانيا ومجالها القارة الأوروبية بحيث تشمل ولايتها العملياتية 92 بلداً أوروبيا بما فيها Greenland وروسيا وإسرائيل , وكان منشأ هذه القيادة تمركز القوات المسلحة الأمريكية في مسرح العمليات الأوروبي في الفترة من يونيو 1942 حتي يوليو 1945 , وبالرغم من أن الرئيس / Harry Truman وضع في 14 ديسمبر 1946 الخطوط العريضة لأول خطة للقيادة المُوحدة للقوات الأمريكية إلا أنه لم يظهر للوجود قوام أو كيان مُحدد للقيادة الأوروبية إلا في الأول من أغسطس 1952 وقيل أن التأخر لستة سنوات في إنشاء هذه القيادة كان مرجعه إلي أن الجنرال / Dwight D.Eisenhower كان مُعترضاً علي تولي مسئولية مزدوجة بموجبها يتولي قيادة القوات الأمريكية بأوروبا والقيادة العليا للحلفاء في أوروبا من خلال منظمة معاهدة شمال الأطلنطي , ويُذكر أن أن القيادة العسكرية الأمريكية لأوروبا تولت السيطرة وإدارة القوات المنقولة جواً من قاعدة Incirlik  بجنوب تركيا في حرب الخليج , كما قامت هذه القيادة بدور رئيسي في العمليات العسكرية بفعل التدخل الأمريكي في الأزمة اللبنانية عام 1958 وعمليات أخري ذات صلة بالقضية الفلسطينية بالإضافة إلي عمليات ذات طبيعة عسكرية وإنسانية وحفظ السلام في الشرق الأوسط وأفريقيا (الكونجو كنشاسا) , لكن تبعية منطقة الشرق الأوسط للقيادة العسكرية الأمريكية لأوروبا إنتهت إثر قرار أُتخذ عام 1983 بإنشاء القيادة العسكرية الأمريكية المركزية , ومع ذلك إحتفظت القيادة العسكرية الأمريكية لأوروبا بولايتها علي كل من إسرائيل ولبنان وسوريا ثم وفي عام 2002 نُقلت مسئولية القيادة الأوروبية عن سوريا ولبنان للقيادة المركزية وظلت إسرائيل تحت ولاية القيادة الأوروبية وأُضيف إلي ولايتها جزء من منطقة شمال الأطلنطي تتضمن Iceland وجزر الـ Azores البرتغالية , ولما كانت هناك صلة بين القيادة العسكرية الأمريكية لأوروبا وحلف شمال الأطلنطي فإن عمليات ذات صلة بإستراتيجية هذا الحلف خارج النطاق الأوربي كانت تُناط إلي هذه القيادة لتنفيذها , ومن ثم فهي من القيادات التي من الصعب تحديد خط فاصل بصرامة لنهاية ولايتها , يُضاف إلي ذلك أن هذه القيادة كانت تتولي الولاية العسكرية علي نطاق أفريقيا جنوب الصحراء قبل إنشاء القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا عام 2007 , ومع ذلك ونظراً لعدم قبول أيا من الدول الأفريقية إستضافة المقر الأمريكي للقيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا نظراً لحساسيات تاريخية لا تؤكد  إتصالات وتحركات مسئولي القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا مع المسئولين السياسيين والعسكريين الأفارقة وجودها أو معاناة الأفارقة منها   حالياً – كما سيتضح ذلك في موضعه لاحقاً – فإن مقر القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا مازال في أوروبا أي في موقع القيادة العسكرية الأمريكية الأوروبية في  Kelley Barracks بألمانيا .

5- القيادة الأمريكية العسكرية المركزية USCENTCOM :

يقع مقرها فيMacDill Air Force Base .FL  ومجالها المنطقة الجغرافية الوسطي الواقعة بين القيادتين الأوروبية والباسيفيكية , وقد أُعلن عن إنشاء هذه القيادة في الأول من يناير من عام 1983 وبرر البعض من المُتخصصين في الشأن العسكري الأمريكي إنشاؤها بتداعيات ونتائج أزمة الرهائن الأمريكيين في السفارة الأمريكية بطهران والذين ظلوا في قبضة الإيرانيين لمدة 444 يوم متصلة مما حدا بالرئيس/Jimmy   Carter بإنشاء القوة المُشتركة للتموضع السريع Rapid Deployment Joint Task Force  في مارس 1980 وكذلك أزمة الغزو السوفييتي لأفغانستان , وأخذ الرئيس التالي / Ronald Reagan  خطوة أمامية بتطوير القوة المُشتركة للتموضع السريع لتكون قيادة عسكرية مُستقلة خلال عامين وعلي مرحلتين أولهما جعلها قوة مستقلة ثم تفعيلها كقيادة قائمة بذاتها في يناير 1983 , وقد كان إنشاء القيادة العسكرية المركزية الأمريكية تأكيد للرؤية الأمريكية عن ضرورة تعزيز القبضة الأمريكية بهذه المنطقة لحماية المصالح الإستراتيجية الأمريكية  خاصة وأن الرئيس العراقي ومن ثم العراق كانت تمثل هدفاً أمريكياً عزيزاً لا يمكن نواله إلا بالعمل العسكري بعد أن أعيت الوسائل الإستخباراتية الممزوجة بالدبلوماسية الولايات المتحدة وأستطاع الرئيس / صدام حسين الخروج من الدائرة المفرغة التي تسبب في دخوله فيها حربه مع إيران التي إستمرت بضراوة في الفترة من 1980 حتي 1988 , ولهذا كررت الولايات المتحدة المحاولة عندما إلتقت السفيرة الأمريكية لدي العراق / April Glaspie بالرئيس العراقي / صدام حسين في 25 يوليو 1990 وقالت له وفقاً للنص الوارد بتسريبات Wikileaks من واقع برقيات للسفارة الأمريكية في بغداد تعقيباً منها علي الخلاف الحدودي مع الكويت  ما نصه ” إنني خدمت في الكويت لمدة 20 سنة قبل ذلك ثم  كما هو الحال الآن ، لم نتخذ أي موقف بشأن هذه الشؤون العربية ” , وبالطبع لا يمكن تصور إعتبار هذه العبارة وحدها من السفيرة الأمريكية للرئيس العراقي وكأنها كافية لتسويغ غزو الولايات المتحدة للعراق ولا حتي قيام إيران بأنشطة تعدينية بالخليج العربي أو إنتهاك نظام الرئيس / صدام للأكراد في الشمال والشيعة في الجنوب العراقي , إن قرار الولايات المتحدة بتدمير النظام العراقي سببه الشروخ التي كانت تحدث بسبب كل ما تقدم وفي مقدمته عدم إستجابة الرئيس صدام للخضوع بالكيفية والمدي الذي يخضع له كافة قادة المنطقة للولايات المتحدة الأمريكية تحقيقاً لمصالحها , وكان غزو القوات العراقية للكويت في الثاني من أغسطس 1990 المقدمة المنطقية لتدمير نظامه في النهاية بغزو العراق عسكرياً في أبريل 2003  .

6- القيادة الأمريكية العسكرية لأفريقيا USAFRICOM:

يقع مقرها في Kelley Barracks .Stuttgart.   في ألمانيا ومجالها القارة الأفريقية وجزرها  .

ولم تكن أفريقيا مُستثناة أو خارجة عن نطاق إهتمامات الولايات المتحدة لكنها كانت تشغل أولوية غير متقدمة من الوجهة الإستراتيجية لكنها لم تكن مُهملة بالقطع , وكانت أول بعثة رسمية أمريكية توجهت لأفريقيا هي بعثة رئاسها / فرانسيز  بولتون قامت بزيارات لدول في جنوب وجنوب شرقي الصحراء وإستغرقت هذه الزيارات الفترة من سبتمبر حتي ديسمبر 1955 , ورفعت تقريرها للجنة الشئون الخارجية في الكونجرس الأمريكي في أواخر يوليو 1956 وتضمن هذا التقرير شرحاً لإهتمام الولايات المتحدة المُتزايد بأفريقيا من الناحية الإقتصادية وأشار التقرير إلي أن للولايات المتحدة أهداف عامة في أفريقيا أهمها :

  • – الرغبة في تطوير أفريقيا علي نحو غير مُعاد للطابع الديموقراطي لنظم الحكم الأمريكية .
  • – إستبعاد كل المؤثرات غير الودية لطريقتنا في الحياة  .
  • – الأمل في الإستحواذ علي المواد الخام بهذه القارة لتأمين حاجاتنا الإستراتيجية .
  • – ممارسة الولايات المتحدة لقيادة أدبية ومعنوية في أفريقيا .

مضي تقرير بولتون يشرح أوجه النشاط الأمريكي في أفريقيا ومنها ما يتعلق بالإستثمار رؤوس الأموال الأمريكية فيها والتي بلغت حتي نهاية 1954 حوالي 644 مليون دولار والقواعد الأمريكية الإستراتيجية والمواد الخام الإستراتيجية وكانت بعثة نائب الرئيس الأمريكي / R. Nixon هي البعثة الرسمية الثانية لأفريقيا وكانت في مارس من عام 1957, وزار فيها كل من المغرب وغانا وليبيريا وأوغندا وإثيوبيا والسودان وليبيا وتونس , وقد أشارت جريدة New York Times في عددها بتاريخ 28 فبراير 1957 أن هذه الزيارة تشير إلي إهتمام الولايات المتحدة الشديد بالقارة الأفريقية , وأن من مظاهر هذه الإهتمام إتجاه الإدارة الأمريكية إلي إنشاء إدارة مُنفصلة خاصة بالشئون الأفريقية بوزارة الخارجية الأمريكية بعد أن كانت هذه الشئون من إختصاص إدارة الشرق الأدني وجنوب آسيا وأفريقيا , نقلت New York Times في عددها بأول مارس 1957 نصريحات لنائب الرئيس/ R. Nixon أشار فيها إلي ” أن مستقبل أفريقيا السياسي سيكون عنصراً حاسماً في صراع العالم الغربي مع الشيوعية ” وأشار / R. Nixon إلي أنه جري الإتفاق حول القواعد العسكرية الأمريكية في هذه البلدان ولاسيما في المغرب وإثيوبيا وليبيا , وبالرغم من التشجيع الذي لقيه / Nixon في ليبيا فيما يتعلق بمشروع Eisenhower إلا أن عقبيتين كبيرتين كانتا تقفان أمام التقارب في وجهات النظر بين الولايات المتحدة ودول الشمال الأفريقي وهما مشكلتا الجزائر وفلسطين , ومع ذلك إستطاع نائب الرئيس / Nixon التفاهم مع الملك / محمد الخامس بشأن القواعد الأمريكية الموجودة بالمغرب والتي كانت نتيجة للإتفاقيات الفرنسية / الأمريكية عام 1951 حين كانت المغرب محمية فرنسية ,  أما في إثيوبيا فقد تناولت مباحثات Nixon مع الإمبراطور / هيلاسيلاسي موضوع إنشاء مركز المواصلات الجوية التي كانت الولايات المتحدة تزمع إقامتها هناك , أما بالنسبة لموضوع مشروع Eisenhower فبالرغم من الترحيب الإثيوبي به إلا أن الإمبراطور أكد لنائب الرئيس / Nixonأنه كان دائماً راغباً في التعاون مع الولايات المتحدة ولكن علي أساس من المساواة , أما في السودان فلم تؤت زيارة  Nixon ثمارها بسبب الموقف المتحفظ من مشروع Eisenhower بالرغم من أن الحكومة السودانية لم تكن علاقاتها بمصر إيجابية .

إستمرت الإتصالات الأمريكية مع أفريقيا علي هذا النحو تؤثر فيها أجواء الحرب الباردة والروح التنافسية بين القوتين الأعظم , وفي هذا الإطار و خلال عام 1981 إستقبل الرئيس الأمريكي / R . Regan في واشنطن 15 رئيس دولة أفريقية أثار خلال مباحثاته معهم مسائل متعلقة بالعلاقات الثنائية وبعض القضايا الدولية , وفي يناير 1982 قام وزيرا التجارة / Malcolm Baldrge  ووزير الزراعة / John Block الأمريكيين في إطار بعثة تجارية شملت أربع دول أفريقية هي ساحل العاج ونيجيريا والكاميرون والمغرب , ثك وبعد ستة أشهر قامت المندوبة الأمريكية الأمريكية لدي الأمم المتحدة / Jeane Kirkpatrick بجولة إستغرقت ستة أيام توجهت خلالها إلي السنغال وبوروندي وتوجو وزائير (الكونجو الديموقراطية حالياً) ورواندا , وتصاعد إهتمام إدارة الرئيس / Regan حتي أنه أوفد نائبه / George Bush  الأب في نوفمبر 1982 لزيارة سبع دول أفريقية هي الرأس الأخضر والسنغال ونيجيريا وزيمبابوي وزامبيا وكينيا وزائير ( الكونجو الديموقراطية حالياً) تشكل إهتماماً خاصاً في حينه للإستراتيجية الأمريكية إزاء أفريقيا , وكانت الولايات المتحدة في عهد الرئيس / Regan تحاول الولوج إلي أفريقيا وتحقيق إختراق للرتابة التي شابع العلاقات الأفريقية / الامريكية حتي أن وزير الخارجية / George Shultz أعلن عن تنفيذ ” مبادرة السياسة الإقتصادية ”  وهو عبارة عن برنامج حكومي أمريكي للتغلب علي الجوع الذي تعاني منه شعوب عدة دول أفريقية بسبب الجفاف لتعويض إنخفاض الإنتاج الغذائي بهذه الدول بنسبة 20% في الأعوام العشرين الماضية * (L,Afrique et les Etats Unis – Un Dialogue Permanent . Agence Americaine D,Information et de Relationss Culturelles .April 1984 ) , وبالإضافة إلي العلاقات الأمريكية مع رؤساء الدول الأفريقية فقد حرصت الولايات المتحدة علي بناء علاقات مع منظمة الوحدة الأفريقية وبعد تطورها لتصبح الإتحاد الأفريقي وكذلك مع المنظمات الأفريقية المختلفة مثلECWAS  وSADC وCOMESA و غيرها , وقد ظلت وتيرة العلاقات الأمريكية الأفريقية تتطور داخل إطار لا علاقة له بالطابع العسكري إلي أن بدأ عهد الرئيس الامريكي / B. Clinton الذي إتجه إلي إحداث تطبيقات إستراتيجية أمريكية وإسقاطها علي أفريقيا ولعل أهمها التغيير في تقسيمات الكتل الجغرافية الأفريقية بوضع تصور لتشكيل ما عُرف بالقرن الأفريقي الكبير Great Horn of Africa والذي كان فصل جنوب السودان عن السودان جزءاً منها وهو تغيير أقرب ما يكون إلي الفكر العسكري .

هناك بداية مبكرة للمقاربة العسكرية الأمريكية لأفريقيا يمكن تتبعها من واقع مؤتمر نيروبي سنة 1951 ثم في مؤتمر داكار سنة 1954 فقد هدفت الدول الغربية الداعية للمؤتمرين إلي تنسيق السياسات الدفاعية للدول الأفريقية والدول الغربية لمواجهة الخطر الذي مصدره الشمال , ثم وفي تطور نوعي دعا الدكتور / D. F. Malan رئيس إتحاد جنوب أفريقيا بمشروع تضمن تكوين منظمة دفاعية تتعاون مع الدول الغربية لمواجهة الخطر الشيوعي , ثم وفي مؤتمر الكومنولث البريطاني عام 1954 إقترح وزير دفاع إتحاد جنوب أفريقيا عقد حلف بين بلاده والدول الأوروبية ذات المصالح في أفريقيا بهدف الدفاع عن ممتلكاتها الأفريقية ومقاومة التسلل الشيوعي إلي القارة , ثم كرر إتحاد جنوب أفريقيا دعوته تلك في مؤتمر الكومنولث في عام 1955 , لكن المؤتمر فشل في إتخاذ قرار حاسم بصدد المشروع , وأوعزت حكومة جنوب أفريقيا إلي الصحف بها للترويج لفكرة غنشاء مجلس للدفاع عن أفريقيا وكان من المنتظر دراسة هذا المشروع في مؤتمر يُعقد في أغسطس 1956 إلا ان أزمة تأميم قناة السويس صرفت الأنظار عنه , لكن فكرة الحلف الدفاعي ظلت ذات جاذبية  للغرب وللولايات المتحدة  حتي أن / R. Nixon نائب الرئيس الأمريكي أشار في تقريره عن جولته الأفريقية في مارس 1957 إلي ما نصه ” إن الشعوب الأفريقية التي تتحرر من الإستعمار لتدخل مرحلة الحكم الذاتي يمكنها أن تبرهن علي انها عامل هام في النزاع بين الشيوعية العالمية وقوي الحرية , إن أفريقيا تنجب زعماء عظام مثل رئيس وزراء غانا وإمبراطور إثيوبيا ورئيس جمهورية ليبيريا و… و…  , ومن الحيوي أن يقوم العالم الحر بمساعدتها ” , غير أن الدعوة لقيام حلف دفاعي أفريقي واجهت صعاب متعددة منها مثلاً أن أفريقيا كانت منقسمة علي نفسها وهي مقبلة علي مرحلة التحرر الوطني من ربقة قوي الأإستعمار التقليدي الذي لم يكن من المُستساغ أن تدخل معه الدول الأفريقية الناشئة في حلف هذه هي طبيعته وإلا كان قد أنتفي مبرر مرحلة الكفاح الوطني ضد الإستعمار الذي سام هذه الشعوب سوء العذاب وأمتص إقتصادها وتركه ممزقاً بلا أساس , ثم أن كثير من الدول الأفريقية إنتهج سياسة عدم الإنحياز وهي وإن كانت سياسة غير عملية بل ولم تكن متطابقة مع الواقع والخيارات السياسية الفعلية لكثير من الدول الأفريقية التي إنحازت للإتحاد السوفيتي الذي أغدق بالمساعدات الإقتصادية وأحياناً المالية علي قادة هذه الدول  إلا أن كثير من الدول الأفريقية وقادتها لم يكن لديهم حيزاً حراً للحركة خارج شعارات التحرر الوطني فيما هم في أحضان السوفييت ليل نهار , والنتيجة أن أفريقيا ظلت بمنأي عن الأحلاف السياسية فيما بينها أو بين دولها وقوي كبري غربية , وكان أن إخترقتها الولايات المتحدة من أبواب رئيسية هي العلاقات العسكرية الثنائية المباشرة تحت عنوان “العلاقات الخاصة” ومن باب القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا AFRICOM وأخيراً من باب المشاركة في تمويل القيادات العسكرية الأفريقية التي كونها الإتحاد الأفريقي , وذلك علي النحو الذي سيرد في موضعه لا حقاً  .

من الوجهة التاريخية فإن أفريقيا لم تكن ولوقت طويل خارج الإهتمامات العسكرية الأمريكية , كل ما في الأمر أن هذه الإهتمامات وكانت محدودة وإنتقائية الطابع أُنيط أمرها إلي القيادة العسكرية الأوروبية للولايات المتحدة USEUCOM منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتي عام 1998 عندما تم تدمير سفارتين للولايات المتحدة واحدة في نيروبي والأخري في دار السلام من قبل مناوئين للولايات المتحدة وسياستها الخارجية في الغالب , ولكن و نتيجة لإنهماك هذه القيادة في قضايا مختلفة ومُتشعبة فقد شاركتها في تناول الشأن الأفريقي قياداتان عسكريتان قتاليتين أخريان , وبصفة عامة فقد دفعت أحداث مؤثرة للغاية علي الأمن الأمريكي القومي خارج الحدود الأمريكية بالإدارة الأمريكية في مقدمتها أحداث 11 سبتمبر 2001 إلي مراجعة مستوي ونطاق إهتمامها بالقارة الأفريقية  وما يمكن ان تساهم به هذه المراجعة في كفاءة خوض الحرب التي أعلنتها الولايات المتحدة علي الإرهاب من مصادره المختلفة وفقاً للرؤية الأمريكية , ولهذا فقد أشارت وثيقة ” إستراتيجية الأمن القومي” للولايات المتحدة عام 2002 إلي مفهوم الدول الضعيفة ودورها في عدم الإستقرار العالمي , ثم وفي عام 2006 أشارت وثيقة أخري عن “إستراتيجية الأمن القومي” إلي الأهمية الجديدة لدور أفريقيا حيث نوهت هذه الوثيقة إلي أن لأفريقيا دور جيوإستراتيجي متنام وأن لها أولوية عالية ” بالنسبة لهذه الإدارة ” , ولهذا ووفقاً للمتبع إتخاذه من إجراءات نظامية فقد بادر رئيس هيئة الأركان المُشتركة برفع توصية لوزير الدفاع الأمريكي  بشأن إنشاء قيادة عسكرية أمريكية لأفريقيا والذي بعد مراجعتها رفع بدوره الأمر في صيغة إقتراح للرئيس الأمريكي لإقراره في حالة أصوبيته , وعليه فقد قام الرئيس الأمريكي  في سبتمبر 2006 بإجراء تغيرات في الوثيقة التنفيذية المُتعلقة بخطة القيادة المُوحدة Unified Command Plan التي يجري مراجعتها لأهميتها القصوي لأمن الولايات المتحدة القومي كل عامين , بعد ذلك قُدمت الوثيقة للكونجرس للنظر في التصديق عليها توطئة للإعلان الرسمي عن إقامة القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا التي تعتبر حتي الآن التحديث الأخير لخطة القيادة المُوحدة للولايات المتحدة والتي تغطي حالياً ربوع العالم بإعتباره إقليم عسكري تتولي العسكرية الأمريكية من خلال قياداتها العسكرية الست تأمينه من أجل تحقيق أقصي ما يمكن من المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة وهو الهدف الإستراتيجي الحيوي والأولي لها .

تنبغي الإشارة إلي أن الأسس الحقيقية التي بنت عليها الولايات المتحدة الأمريكية وتحديداً الـ Pentagon عقيدة الواجب والإنتشار العسكري علي نطاق عالمي أسس نظراً لطبيعتها الأمنية فهي غير قابلة للإعلان عنها رسمياً , لكن هذا لم يمنع الولايات المتحدة من الإعلان رسمياً عن أهداف إستراتيجية مثل هدف تحقيق وتأمين المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة والذي أوردته وزارة الدفاع الأمريكية في منطوق إعلانها الرسمي عن إقامة القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا AFRICOM في 6 فبراير 2007 , فهناك بالطبع ثمة فروق بين الأهداف والدوافع الإستراتيجية , وعلي كل حال فإن الولايات المتحدة بإنشاءها للقيادة العسكرية لأفريقيا تكون قد غطت العالم عسكرياً فهذه القيادة هي السادسة وتمثل آخر مرحلة في منظومة القيادات العسكرية الأمريكية التي تغطي العالم  – هذا إن كانت التغطية العسكرية الأمريكية للعالم قد أُسست علي مبدأ المرحلية والتدرج وليس علي أساس الإحتياج الفعلي – , وفيما يتعلق بالقيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا فسأحاول تحليل البيانات المُتاحة عنها بأقصي عمق ممكن , والتي نتيجة حساسية المجال الذي تتعلق به فهي قليلة ومتكررة والأهم أنها في الغالب بعيدة عن قبضة الحقيقة , ولما كان الموضوع مُتعلق بصفة أساسية بعسكرة أفريقيا فسأركز بطبيعة الحال علي القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا ومن خلال تتبع ما نُشر بوسائل الإعلام أو بُث علي شبكة الإنترنت من أخبار عن تحركات وتصريحات مسئولي هذه القيادة ومن خلال ما رصدته من خلال عملي بأفريقيا لما يزيد عن 20 عاماً وخاصة في أنجولا وساو تومي وبرنسيب والنيجر ومالي  .

بناء علي ما تقدم أُعلن في  6/2/2007 عن إقامة الولايات المتحدة للقيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا AFRICOM , ووفقاً لمنطوق الإعلان من قبل البنتاجون والرئيس الأمريكي والخارجية الأمريكية فإن الأهداف المعلنة لهذه القيادة هي :-

  • 1- تنسيق بين كل الاهتمامات العسكرية والأمنية للولايات المتحدة في أفريقيا  .
  • 2- تعزيز التعاون مع أفريقيا   .
  • 3- إتاحة الفرص للدفع بقدرات شركاءنا في أفريقيا  .
  • 4- تقوية جهود الولايات المتحدة لجلب السلام والأمن لشعوب أفريقيا والـترويج لأهدافنا المشتركة في التنمية والصحة والتعليم والديموقراطية والنمو الإقتصادي  .

وفقاً لمنطوق الإعلان أيضاً فإنه ” من الآن وحتي العمل الفعلي لهذه القيادة فإن الولايات المتحدة ســـ :-

تتشاور مع القادة الأفارقة لإستشراف والوقوف علي أفكارهم بشأن كيفية إستجابة هذه القيادة للتـحديات الأمنية  .

تعمل الولايات المتحدة عن كثب مع الشركاء الأفارقة لتحديد الموقع الملائم لتمركز هذه القيادة   .

تبدأ في مناقشة تمركز المقار الإقليمية الممكنة الدائمة لهذه القيادة وتحديد أي نوع من القوات التي قد تتمركز بصفة دائمة  للقيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا  ” .

أصدر الرئيس /George Bush  أمراً توجيهياً بإقامة هذه القيادة في سبتمبر 2008 أي قبل نهاية ولايته الثانية بثلاث أشهر , وأشار نص هذا الأمر علي أن علي هذه القيادة أن تعمل هذه القيادة بالتنسيق مع القيادات العسكرية القائمة بالفعل للولايات المتحدة والتي تغطي المعمورة , وعلي أنه فيما يتعلق بنطاق عملها فإنه سيُغطي عموم القارة الأفريقية فيما عدا مصر التي تستمر في نطاق عمل القيادة المركزية الأمريكية (فيما بعد حدث تعديل في مسألة إلحاق مصر داخل ولاية AFRICOM بحيث تم إلحاقها لكن في نطاق مُحدد بإعتبار أن مصر تقع في نقطة جوية وسيطة و ضرورية لهذه القيادة كونها تخدم في تموين طائرات القيادة بالوقود لتتمكن من الحركة ما بين القاعدة الأمريكية في جيبوتي بمعسكر , Camp Lemonnier ومسرح العمليات بشمال أفريقيا ) , وأنه بالإضافة إلي غينيا الإستوائية فقد تم تضمين الجزر الآتية في نطاق عمل هذه القيادة وهي :-

  •  – ساوتومي وبرنسيب  .
  • – مدغشقر .
  • – سيشل  .
  • – القمر .
  • – الرأس الأخضر .
  • – موريشيوس .

كان الشأن العسكري والأمني لأفريقيا قبل إنشاء أفريكوم مُقسماً ما بين القيادات العسكرية الأمريكية لأوروبا والمركزية و الباسيفيكية والــ Task Force بجـــيبوتي في Camp Lemonier , إلي أن بدأت القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا عملها رسمياً في الأول من أكتوبر 2007 وظلت قيادة فرعية للقيادة العسكرية الأوروبية الأمريكية حتي أكتوبر 2008 ثم وفي الأول من أكتوبر 2008 تم الإعلان عن أن هذه القيادة ستمارس مهامها كاملة في عموم القارة الأفريقية , وظل أمر مقار هذه القيادة في القارة الأفريقية مُعلقاً نظراً للحساسية الأفريقية من الطبيعة العسكرية / الأمنية لهذه القيادة , ولذلك مازال مقر هذه القيادة حتي يومنا هذا في ألمانيا  .

يدخل في تكوين القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا المكونات الآتية :-

1- الجيش الأمريكي لأفريقيا USARAF ومقره في Vicenza بإيطاليا وهو الذراع المباشر للقيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا وهو – وفقاً للرؤية الأمريكية – ويعمل بالتناسق مع الشركاء الوطنيين والدوليين لإدارة الإرتباط الأمني بصفة مستمرة مع القوات البرية بأفريقيا من أجل السلام والإستقرار في أفريقيا , وإن دعت الحاجة فإن القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا ( ويُشار لها فيما بعد بلفظ أفريكوم ) يمكنها ان تتمركز بشكل مؤقت في مقار أو مراكز إستجابة لأزمة معينة طارئة والتي يعمل بها عناصر فريق عمل لجنوبي أوروبا .

2- القوة البحرية لأفريقيا NAVAF وهي جزء من القوة البحرية للولايات المتحدة لأوروبا ومهمتها إدارة مجموعة كاملة من العمليات البحرية والتعاون بالمسرح الأمني بالتناغم مع تحالف من من الوكالات المُشتركة ذات الصلة وشركاء آخرين من أجل تقدم عملية نشر الأمن في أوروبا وأفريقيا , وتغطي مسئولياتهم مناطق تعادل مساحتها نصف المحيط الأطلنطي .

3- القوة الجوية لأفريقيا AFAFRICA أو القوة الجوية السابعة عشر ومهمتها الإدارة المستمرة للإرتباط الأمني والعمليات توفيراً للأمن والأمان الجوي والتنمية في أفريقيا وتتموضع القوة الجوية لأفريقيا في قاعدة Ramstein  الجوية بألمانيا .

4- قوة مشاة البحرية MARFORAF وتتموضع هذه القوة في STUTTGART بألمانيا , وهي تمثل المكون البحريللأفريكوم وتقوم بإدارة عمليات وتدريبات وتنهض بالتعاون الأمني عبر أفريقيا .

5- فريق العمل المُشترك بالقرن الأفريقي  CJTF-HOA  وتعتبر فريق العمل المُتقدم للأفريكوم ويتموضع هذا الفريقي في معسكر Camp Lemonnier في جيبوتي , وهو أي المعسكر أحد 23 منظمة مُستأجرة بجيبوتي , ويعمل بهذا الفريق بالإضافة إلي العاملين الأساسيين  نحو الفي شخص بالتناوب , وأغلب من يعينون للعمل في خدمة فريق عمل معسكر Camp Lemonnier هم في الواقع يعملون لدي دول شريكة ( مُتحالفة ) تنهض بتنفيذ مجموعة من الأنشطة منها بناء قدرات أمنية وتنفيذ البنية الأساسية من خلال تعاون إقليمي وبرامج عسكرية بين الجيشين الأمريكي وجيوش هذه الدول   ومشروعات عسكرية / مدنية وبرامج للتعليم العسكري  , كل ذلك من خلال مدخل غير مباشر عبر تحالف ومكونات دفاعية أخري للولايات المتحدة تتضمن تقديم الدعم للمنظمات الإقليمية للمساعدة علي ورعاية التعاون وتعزيز عمليات حفظ السلام الجماعية , وتحسين العون الإنساني ودعم العمليات المدنية / العسكرية .

6- قيادة العمليات الخاصة بأفريقيا SOCAFRICA وتم تأسيس هذه القيادة في الأول من أكتوبر 2008 كمسرح عمل لقيادة العمليات الخاصة للأفريكوم ,  وتساهم الـ SOCAFRICA في مهمة الأفريكوم من خلال تطبيق منظومة كاملة من قدرات عمليات القوات الخاصة  بما فيها الشئون المدنية وعمليات (الحصول علي ) المعلومات والتعاون علي المسرح الأمني والإستجابة للأزمات وحملة التخطيط , وتتمركز هذه القيادة في Stuttgart  بألمانيا .

من المنطقي أن تضع الإدارتين العسكرية والسياسية بالولايات المتحدة منطوق إنشاء القيادة العسكرية الأمريكية بمنتهي الحرص والعمومية لأنه سيُشكل الإطار العملي لهذه القيادة ذلك أنه موجه لدول لديها الحد الأقصي من الحساسية السياسية عند التعامل مع مثل هذه القيادة أو غيرها , فالقيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا ستتعامل للمرة الأولي في أكثر المجالات حساسية لدي دول القارة الأفريقية وهو المجال العسكري ذا الصلة المُتداخلة مع المجال الأمني , ومن ثم فقد صيغ منطوق إنشاء القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا بأسلوب يؤدي إلي تلقي متخذي القرار السياسي (والعسكري) الأفارقة إياه بشكل  إيجابي قدر المتوقع وكذلك لتمكينهم من إعادة إرساله عند مخاطبة القادة الأفراقة للبيئة أو للمجتمع السياسي الداخلي ببلادهم , ولذا كان لابد بالنسبة للأمريكيين صياغة إعلانهم عن إقامة الـ  AFRICOM بشكل عمومي إلي حد ما وعلي النحو الوارد  بالمنطوق المشار إليه , وذلك لسببين رئيسيين أولهما أن هناك أسئلة كثيرة مازالت إجاباتها مُعلقة حتي بعد الإعلان عن إقامة أفريكوم وكثير من هذه الأسئلة سيجيب عنها التعامل الفعلي علي الأرض وفي خضم السياسة الأفريقية وبالتالي ستحدد من خلال الإجابة عنها مسائل مهمة مثل نطاق الولاية والمنطقة المُتداخلة بين ما هو سياسي وعسكري بالنسبة لعمل هذه القيادة في أفريقيا , والسبب الثاني هو أنه من المتوقع أن تكون هناك ثمة علاقة بين سيادات هذه الدول وعمل هذه القيادة علي الأرض ومن ثم  فلا طائل من تحليل الأهداف الُمعلنة سالف الإشارة إليها إلا بقدر قليل قد يسمح بالنفاذ منها من خلال مضاهاتها بالواقع العملي وبالأسلوب الذي إنتهجته الإدارة الأمريكية لدرء مُهددات أو التنافسية العالية من قوي دولية أخري يمكن أن تؤثر علي كفاءة تحقيق المصالح الأمريكية في أفريقيا وبالتالي التأثير علي الأمن القومي للولايات المتحدة وبالتالي فإن الهدف الإستراتيجي للأفريكوم من المنطقي أن يُخفض من الآثار السلبية التي مصدرها المُهددات و / أو التنافسية صيانة  لمصالحها الأوسع مدي في أفريقيا والتي قد يكون مجالها منطقة أو مناطق ما بهذه القارة التي أصبحت بعد إنشاء أفريكوم في قبضة الولايات المتحدة التي تتحرك من خلال هذه القيادة بالتضافر مع تمثيلها الدبلوماسي الذي يغطي أفريقيا بشكل يكاد أن يكون كاملاً ومع وسائل دبلوماسية مساعدة كتعيين ممثلين خاصين للرئيس الأمريكي لتناول أزمة أو قضية أفريقية ما وإيفاد الوفود أو أحد أعضاء الكونجرس الأمريكي في بعثة دقيقة أو للتمهيد لتناول أمريكي لمسألة ما وإستكشاف سبل أو قنوات التناول من خلال أفريكوم أو المبعوث الأمريكي الخاص قبل تعيينه .

لاشك ان الولايات المتحدة وهي تخطط لإقامة أفريكوم تضع في إعتبارها مدخلات علاقاتها المتنوعة والمـُركبة ميدانياً مع خصوم أو حلفاء لها من القوي الدولية أو الإقليمية ممن يولون أفريقيا أهمية متقدمة لمصالحهم الإستراتيجية , ولذلك فهناك إعتبارات يجب علي الولايات المتحدة أن تتوقع تأثيرها علي عمل الأفريكوم , وهذه الإعتبارات مصدرها أحد حلفاء الولايات المتحدة ( كحالة فرنسا في شمال وغرب أفريقيا) أو ما قد يكون آت من خصم أو عدو ( كحالة الإتحاد الروسي والصين الشعبية وكوريا الشمالية)  أو ما قد يكون مطلوباً من حليف يمثل أحد أسس الإستراتيجية الأمريكية الكونية (كحالة إسرائيل التي تريد الولايات المتحدة تحقيق أمنها بمفهومه العريض كأن توفر لها التفوق بالشرق الأوسط والحركة الحرة في أفريقيا) وهناك مهددات أخري موضوعية تتعلق بمفاهيم تريد الولايات المتحدة تحديد مدي وعمق تطبيقها أو حتي دفعها بعيداً عن أفريقيا بأدوات مختلفة مثل الـ AGOA والـ USAID ومبادرة الألفية و الـ  AFRICOM ومن بين هذه المفاهيم الديموقراطية والشفافية الإقتصادية والحوكمة , فليس صحيحاً أن الغرب الذي دفع ودعم رتل من الحكام الفاسدين ضعيفي الشخصية والضمير بالعالم العربي وأفريقيا هو نفسه من سيدعم الديموقراطية والشفافية بالجودة والإمتياز المُتعارف عليه , بل إنه قد يـُحيل ربيع العرب إلي خريف إن أمكنه ذلك , لذلك فمهمة AFRICOM مع الوسائل الأمريكية المُشار إليها خاصة بعد ثورات العالم العربي أصبحت أثقل نسبياً عن ذي قبل  .

من جهة أخري فإن الأسباب التي يسوقها المسئوليين الأمريكيين سواء أكان خطابهم مُوجهاً للكونجرس الأمريكي بغرفتيه أو للإعلام أو عند إلتقاء مسئولي هذه القيادة بمسئولي لدول الأفريقية لتبرير إنشاء القيادة العسكرية لأفريقيا تختلف وفيما يلي أمثلة علي ذلك :

– أشار قائد القيادة العسكرية الأمريكية لأوروبا في شهادته أمام لجنة القوات المسلحة لمجلس النواب في 19 سبتمبر 2006 أن ” المعني الإستراتيجي المتزايد لأفريقيا يمثل تحدياً كبيراً للإستقرار الأمني في نطاق عمل القيادة العسكرية الأمريكية لأوروبا , كما ان المساحة الكبيرة من الأراضي غير الخاضعة للحكومة بأفريقيا ووباء نقصان المناعة والفساد و ضعف الحوكمة والفقر المُتفشي في ربوع القارة الأفريقية وهي تحديات أخري تمثل عوامل حاكمة فيما يتعلق بقضايا الإستقرار الأمني الذي يؤثر في كل بلد بأفريقيا ” .

– وفقاً لوثيقة ” إستراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة ” الصادرة لعام 2002 فإن أمريكا حالياً مُهددة من قبل دول تم غزوها بدرجة أقل من الدول الفاشلة , كما أن وزارة الدفاع الأمريكية وصفت عدم الإستقرار بالدول الأجنبية علي أنه تهديد مُوجه لمصالح الولايات المتحدة ولذلك أصدرت هذه الوزارة توجيهاً برقم 3000,05 عام 2005 تُعرف من خلاله ” عمليات الإستقرار بإعتبارها ركناً أساسياً في مهام الجيش الأمريكي سيتوجب إيلاءها أولوية بالمقارنة بالعمليات القتالية ” .

هناك ملاحظات رئيسية بعضها من واقع ما أشارت إليه مراكز عصف ذهني بالولايات المتحدة وبعضها الآخر يمكن إستنتاجها مباشرة من قراءة منطوق أمر إنشاء هذه القيادة وهي :-

– أن مصر علي الرغم من دورها الأفريقي التاريخي وعلاقاتها وإنتشارها الدبلوماسي في القارة الأفريقية فإنها وفقاً لمنطوق الإعلان في 6 فبراير 2007 عن إقامة هذه القيادة مُستثناة من أن تكون داخل ولاية هذه القيادة  ومن المؤكد وفقاً لذلك أن الأمريكيين لا يعنيهم إلا موقع مصر في منطقة الشرق الأوسط وتأثيرها المتناقص بفعل السياسات الأمريكية في هذه المنطقة وعوامل أخري , وبالتالي فإن هناك ضرورة إستراتيجية من وجهة النظر الأمريكية في الإبقاء علي مصر داخل ولاية القيادة العسكرية المركزية الأمريكية , وهو أمر في تقديري إما انه يعني أن الإدارة الأمريكية رأت إستبعاد مصر من قيادتها الأفريقية بغض النظر عن مبررات إستراتيجية وتاريخية رئيسية منها موقع مصر الجيوبوليتيكي الهام في أفريقيا وإرتباطها من خلال النيل والبحر الأحمر بهذه القارة من الوجهتين الأمنية / العسكرية والسياسية , وكذلك فالتعاون أو الإرتباط العسكري الأمريكي مع مصر وبرنامج المساعدات الأمريكية في شقه العسكري والإقتصادي والذي لا يمكن مقارنته بأي برنامج مساعدات أو تعاون عسكري مع أي من الدول الأفريقية الأخري الواقعة داخل نطاق ولاية القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا لم يكن سبباً كافياً لأن تكون مصر داخلة في نطاق ولاية القيادة العسكرية الأفريقية للولايات المتحدة , و من ثم فإن تجاوز الولايات المتحدة لهذين المبررين قد يؤكد أن من بين الأهداف الأمريكية الدائمة (لأنها إستراتيجية) حصر مصر وحصارها داخل النطاق الشرق أوسطي لأسباب معينة , وغلق السبل لأي تصور للعسكرية المصرية للنفاذ لأفريقيا وبالتحديد حوض النيل والصحراء الكبري , ولهذا نجد أن الأمريكيين عمدوا إلي إرضاء الميل الطبيعي لدي مصر بأن تُصنف كدولة أفريقية كبيرة بالرغم من إنسحاب مصر من العمل الأفريقي لفترة تزيد عن 30 عاماً مُتصلة فلا يكفي الإنتشار المصري في أفريقيا من خلال ما لا يقل عن 35 سفارة وحضور مؤتمرات قمة الإتحاد الأفريقي بوفد يرأسه وزير الخارجية المصري فرئيس مصر قرر بعد محاولة إغتياله في أديس أبابا في يونيو 1995 عدم حضور القمم الأفريقية , فوفقاً لدراسة وضعها في 3 يناير 2013 السيد/   Feikert Andrew الباحث بمركز Congressional Research Service أشار فيها إلي  أن القيادة العسكرية المركزية الأمريكية ستُبقي علي علاقاتها التقليدية مع مصر بالرغم من أن القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا تقوم بالتنسيق مع مصر بشأن قضايا مُتعلقة بالأمن الأفريقي  .

– أنه منذ الإعلان عن إقامة أفريكوم في 6 فبراير 2007 وحتي يومنا هذا لم تصل الولايات المتحدة لإتفاق مع أي من الدول الأفريقية علي إستضافة مقر دائم لقيادتها العسكرية لأفريقيا , وظل هذا الموضوع مُعلقاً , إلا أنه يُلاحظ أن الولايات المتحدة وهي تعلم مسبقاً حساسية القادة والبرلمانات الأفريقية لهذا الموضوع خاصة في الفترة السابقة علي الإعلان عنها والتي قامت فيها الولايات المتحدة بإتصالات مع بعض الدول الأفريقية الرئيسية تناولت إخطارها بإقامة هذه القيادة والحاجة إلي توفير مقر دائم لها , إلا أنها أي الولايات المتحدة تعمدت بالرغم من علمها المُسبق تضمين مسألة مقر القيادة في منطوق الإعلان عنها بالإشارة إلي أن ” الولايات المتحدة تعمل عن كثب مع الشركاء الأفارقة لتحديد الموقع الملائم لتمركز هذه القيادة ” , وسيمكن إستنتاج أن هذه الأمر أصبحت أولويته أقل أهمية من خلال الإستعراض اللاحق لتحركات وعمل القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا مع القادة السياسيين والعسكريين الأفارقة , وعلي كل حال فمازال مقر هذه القيادة    بألمانيا للآن   .

– أشار مركز Congressional Research Service في دراسة وضعها / Lauren Ploch المُحلل المُتخصص في الشأن الأفريقي في 22 يوليو عام 2011  بعنوان ” القيادة الأفريقية : المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة ودور العسكرية الأمريكية في أفريقيا ” إلي أن المسئوليين الرسميين بوزارة الدفاع الأمريكية أشاروا إلي القيادة الأفريقية تلك علي أنها ” قيادة قتالية وأكثر ” ( Combatant Command “plus”) بمعني أنها في مسئولياتها ستكون ككل القيادات القتالية الجغرافية الأخري بما في ذلك إمكانية تيسير أو قيادة عمليات عسكرية مباشرة  , لكنها خلافاً للقيادات الخمس الأخري ستستخدم علي نحو واسع المدي للقوة الناعمة من أجل إقامة بيئة إستقرار أمني بحيث سيعمل بها علي نحو أكبر من مثيلاتها عدد أكبر من مكون الموارد البشرية المدنية من الوكالات الحكومية الأمريكية للتعامل مع التحديات الأفريقية   .

هناك إلي جانب ما تقدم ثلاث قيادات وظيفية تخدم الست قيادات جغرافية سالف الإشارة إليها والقيادات الثلاث هي : (1) القيادة الأمريكية للنقل USTRANSCOM  و(2) القيادة الأمريكية الإستراتيجية USSTRATCOM و(3) القيادة الأمريكية للعمليات الخاصة USSOCOM .

فيما يتعلق بإشارة السفير Kip E. Tom في البند رقم (3) ونصه: ” بالإضافة إلى الاستيلاء على الأراضي ، تتضمن مخططات النموذجية الصين مقترحات ملكية “مشتركة” في مبادرات إنتاج ومعالجة السلع على نطاق واسع وغالبًا ما يُستبدل هؤلاء العمال الأفارقة المحليين بالمهاجرين الصينيين الذين تؤدي تنافسهم على الطعام المحلي والإسكان …… فإنني أشير من واقع تجربتي في النيجر أن هذا كلام حقيقي وواقعي وحدث من الصين في دول أفريقية عديدة , لكن أيضاً علي الجانب الأخر فإن الغرب غير مُستثني من هذا الإتهام ففي كتاب : “وجه أوباما الأبيض” لجيمس بتراس ورد في الصفحتين 199 -200 ما نصه :” ….. تستولي القوي النيوكولونالية البازغة تساندها حكوماتها وتمولها الأرباح الهائلة من التجارة والإستثمارات وفوائض الميزانيات علي مساحة شاسعة من الأراضي الخصبة في بلدان أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية من خلال وساطة الأنظمة المحلية الفاسدة . تم منح ملايين الأفدنة من الأراضي – في غالبية الأحيان دونما مقابل – لهؤلاء المُستعمرين الجدد الذين يُعدون في أفضل الأحوال بإستثمار الملايين في البني الأساسية لتسهيل نقل المنتجات الزراعية المنهوبة إلي أسواق بلادهم ودفع أقل من دولار يومياً أجراً لكل مُزارع محلي .ثمة مشاريع وإتفاقيات قيد الإعداد لتوسيع مساحات الأراضي المُستولي عليها بما يتجاوز عشرات الملايين من الأفدنة الإضافية من الأراضي الزراعية في المستقبل القريب . يحدث بيع هذه المساحات الهائلة من الأراضي أو نقل ملكيتها في وقت وأماكن تتنامي فيها أعداد الفلاحين المُعدمين الذين لايملكون أي أرض .أما صغار الملاك فتقتلعهم الدولة بالقوة وتعمل علي إفلاسهم من خلال الديون والعمال الزراعيينالذين يُنظمون صفوفهم للحصول علي أراض يزرعونها ويجري قمعهم أو أغتيالهم أوإعتقالهم وتجبرأسرهم علي اللجوء إلي عشوائيات المدن الموبوءة بالأمراض . من حيث السياق التاريخي واللاعبون الإقتصاديون والأساليب المُتبعة في بناء إمبراطوريات البيزنس الزراعي فإنه ثمة تماثلات مع بناء الإمبراطوريات بالأسلوب القديم في القرون الماضية وإختلافات معه ” , ….” في حين أن ثمة كثيراً من التنافس والتداخل بين البلدان التي تسعي لحيازة الأراضي والإستيلاء عليها فإن أنظمة النفط العربية تركز علي إختراق جنوب آسيا وجنوبها الشرقي وتركزالنمورالآسيويةعلي أفريقيا وأمريكا اللاتينية وتستهدف الشركات الأوروبية /الأمريكية مُتعددة الجنسية إستغلال بلدان شرق أوروربا والإتحاد السوفيتي السابق علاوة علي أمريكا اللاتينية وأفريقيا

إستثمرت الصين البلد الأكثر دينامية في مجال الإمبريالية الزراعية اليوم في أفريقيا وجنوب شرق آسيا لتضمن تزويدها بفول الصويا الرخيص من البرازيل بخاصة وزراعة الأرز وإنتاجه في كوبا (5000هكتار) وبورما والكاميرون(10000هكتار)ولاوس(100000هكتار)وموزمبيق حيث يوجد10000مستوطن من عمال الزراعة الصينيين والفلبين(1,24 هكتار) وأوغندا .

أما اليابان فقد إشتر 100000هكتار من الأراضي الزراعية في البرازيل لإنتاج الصويا والذرة وتملك شركاتها 12 مليون هكتار في جنوب شرقي آسيا وأمريكا الجنوبية .

خصصت دول الخليج مليار دولار لتمويل حيازتها لأراض في شمال أفريقيا وجنوبها , إبتاعت البحرين أراض في باكستان والفلبين والسودان لتمد نفسها بالأرز , وحازت الكويت أراض في الفلبين وكمبوديا والمغرب واليمن ومصر ولاوس والسودان وأوغندا , وأشترت قطر حقول أرز في كمبوديا وباكستان وحقول قمح وذرة ومحاصيل بذور الزيت في السودان وكذلك أراض زراعية في فيتنام لمحاصل الحبوب والفواكه والخضروات ولتربية المواشي . قدمت إندونيسيا للسعودية 500000 هكتار من حقول الأرز وتملكت المملكة أيضاً مئات الآف من الهكتارات من الأراضي الخصبة في إثيوبيا والسودان .

يلعب البنك الدولي دوراً رئيسياً في دعم نهب الأراضي وتعزيزه حيث خصص1,4 مليار دولار لتمويل إسيلاء بيزنسات الزراعة علي الأراضي علي دول من أمثال أوكرانيا كي يمنحها قروضاأن تفتح أراضيها ليستغلها المستثمرون الأجانب . إستغل المستثمرون من الولايات المتحدة وأوروربا فرصة وجود يسار الوسط في السلطة في الأرجنتين والبرازيل وأشتروا ملايين من الأفدنة من الأراضي الزراعية الخصبة والمراعي لتزويد أوطانهم الإمبريالية بإحتياجاتها علي حين يعاني ملايين الفلاحين البطالة والجوع والفقر فيما يشاهدون القطارات محملة بلحوم البقر والقمح وفول الصويا في طريقها إلي منشآت الموانئ التي يُسيطر عليها أجانب , ومنها إلي أسواق أوروبا وآسيا والولايات المتحدة .

نـــــتــــــيــــجـــــة :

إن الولايات المتحدة تؤسس إستراتيجتها العالمية علي قاعدة أساسية هي التحقيق الدائم للتفوق الدولي Superiority , وهي لذلك تعتقد أن التفوق العسكري يوفر لها وجوداً وعلاقات قوية , رغم أن إضافة البعد الزراعي يوفر تنوع ومتانة وديمومة لمنظومة العلاقات الأفريقية للولايات المتحدة , لكن حتي الآن من الواضح أن الولايات المتحدة تؤمن بان البعد العسكري كاف وأن وكالة التنمية الدولية USAID وقانون الفرصة والنمو لأفريقياAGOA  وبرنامج المساعدات الخارجية ونظام العقوبات أدوات كافية ومن ثم فلا حاجة ماسة للبعد الزراعي مُستقلاً عن هذه الأدوات التي تحقق إلي حد كبير فاعلية للعلاقات الأمريكية مع أفريقيا , بالإضافة إلي أن البعد العسكري وحده يستلزم موارد بشرية ومالية ضخمة فقد أشارت شبكة PolitiFact في 10 يونيو 2013 إلي ما ذكرته وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة / Hillary Clinton في كتابها المُعنون بــ ” خيارات صعبة ” أو ” Hard Choices” حيث وصفت الوجود الأمريكي بأفريقيا بأنه يكاد أن يكون لا وجود له , و أشارت هذه الشبكة بأن ما قالته السيدة / Clinton زائف فالوجود العسكري الأمريكي كثيف في أفريقيا وهو أمر يستند إلي تصريحات صادرة عن مسئوليين بوزارة الدفاع الأمريكية , كما أن معسكر Camp Lemonnier بجيبوتي وحده به ما بين 2000 إلي 4000 من الأفراد العسكريين والمدنيين الأمريكيين وهم أي الأمريكلن دائماً ما يحاولون تقليص هذا العدد بوصف بعض من يعملون لدي الجيش الأمريكي بأهم متعاقدون , بالإضافة إلي ان القوات الأمريكية منخرطة بالفعل في عدد من العمليات العسكرية في أنحاء القارة الأفريقية في الجزائر وأنجولا وبنين وبوركينافاسو وبوروندي والكاميرون وجزر الرأس الأخضر والسنغال وجزر سيشل وتوجو وتونس وأوغندا وزامبيا وغيرهم (علي سبيل المثال أعلنت الولايات المتحدة في فبراير 2013 عن إقامة  قاعدة جديدة للطائرات المُوجهة عن بعد بالنيجر كما أرسلت الولايات المتحدة في مايو 2013 نحو 80 عسكري أمريكي لتشاد للعمل في قاعدة أقيمت للطائرات المُوجهة عن بعد DRONES وإدارة عملية مسح جوي للبحث عن البنات اللائي قيل أن جماعة Boko Haram إختطفتهم من منطقة بشمال نيجيريا المجاورة وبعد فترة أعترفت أفريكوم عن أنها خفضت عدد الطلعات الجوية والمسح الجوي للبحث عنهن من أجل التركيز علي مهام أخري) , كذلك أفاد المتحدث باسم السيدة / Hillary Clinton هذه الشبكة التي نشرت هذه الإفادة في نفس هذا التاريخ بأن أفريكوم لا قاعدة لها حتي في أفريقيا , فمقراتها في ألمانيا حيث 1500 من أفرادها البالغ عددهم 2000 فرد ما بين مدنيين وعسكرين ومتعاقدين مُقيمين هناك حيث القليل جداً من البنية العسكرية والتسليح المُتقدم  والقطع البحرية الحربية , أما بالنسبة لميزانية وزارة الدفاع السنوية البالغة 250 بليون دولار فنصيب القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا فيها بلغ 275 مليون دولار في ميزانية عام 2012 , فيما أفاد المتحدث باسم أفريكوم بأن أوروبا تبلغ من الوجهة الجغرافية ثلث مساحة أفريقيا ومع ذلك فبها 12 ضعف عدد القوات الأمريكية, بل إن البلاد الصغيرة كأفغانستان وكوريا الجنوبية لديها خمسة أضعاف القوات الأمريكية أي أكبر من كل القوات التي لدي أفريقيا .

لا تري الولايات المتحدة إلي اليوم أن البعد العسكري لعلاقاتها مع أفريقيا قابل للإستبدال بالبعد الزراعي أو غيره أو حتي يمكن أن يُضاف إليه فالبعد العسكري إلي جانب أنه مستهلك للميزانية فهو ضروري ولم يثبت عملياً أنه غير كاف هذا إلي جانب ا،ه لابد من إدراك ما للعسكريين أو البنتاجون من سطوة علي قرار البيت الأبيض وتدني قرار الخارجية إذا ما قيس بقرار مصدره البنتاجون , بالإضافة إلي البعد العسكري للعلاقات الأمريكية /الأفريقية له جاذابية لدي غالبية الأنظمة الأفريقية التي تنكر حاجة شعوبها للتنمية الزراعية أو غيرها من أوجه التنمية الأخري .

الـــــــســـــــفـــــــيـر : بــــــــلال الـــمــــصـــــري

– حصريا المركز الديمقراطي العربي – الــــقاهـــــرة تـحــريــــراً في 17 أغـسـطـس 2023

5/5 - (4 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى